29‏/12‏/2010

الزي والاناقة في الاسلام ...!!!


يؤدّي اللباس بالنسبة للانسان دورين مهمّين في الحياة، فهو من جهة يكمّل نظام الجسم الطبيعي، لانّ للجسم درجة وجود خاصة به، بالنسبة لما حوله من ظروف طبيعية، من حرارة وبرودة ورطوبة وتبخّر...إلخ.
فاللباس هو الاحتياط الواقي الذي يحافظ على استقامة الجسم، وحماية التعادل بينـه وبين ظروف الطبيعة المحيطة بـه، لذلك فالانسان يلجأ إلى اللباس فيغطّي جسده ليحفظه من تلك المؤثرات الطبيعية، والعوامل المؤثّرة عليه.
وبالاضافة إلى هذه المهمة الصحيّة والجسمية للّباس، فإنّ له مهمة أخرى وهي مهمة الزينة والجمال، وستر عورة البدن، وقبح العري الذي يظهر به الاِنسان، وقد اهتمّ الاسلام باللباس واعتنى بحسن المظهر، وبالحفاظ على الاناقة والجمال عناية فائقة. ولم يهمل القرآن الحكيم هذا الجانب من مستلزمات الحياة، وضرورات الجسد وأشواق النفس إلى الزينة والجمال، بل أكّد على إقرارها والاعتراف للانسان بحق ممارستها، وعدّ تلك المتع نعمة من نعم الله تعالى، فقال:
(يابَني آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُواري سَوْآتِكُمْ). (الاعراف/26)
(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زينَةَ اللهِ الَّتي أخْرَجَ لِعباده). (الاعراف/32)
(وَالانْعامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِع وَمِنْها تَأْكُلونَ* وَلَكُمْ فِيها جَمَالٌ حِينَ تُريحُونَ وَحين تَسْرَحُونَ). (النحل/5 ـ 6)
(وَهُوَ الَّذي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَريّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حلْيَةً تَلْبَسُونها). (النحل/14)
وهكذا أوضح القرآن رأي الدين في الزينة والجمال، وربط بين المتع الجمالية وبين مفاهيم العقيدة والاِيمان، ليؤكّد أنّ مايتمتّع به الانسان من مظاهر الزينة والجمال إنّ هو إلاّ نعمة من نعم الله سبحانه، توحي للنفس بالرضى والسرور، وتبعث فيها الحب والمتعة والاشراق، عن طريق الشعور العميق الصافي، والتقويم المتعالي للمعاني والقيم الجمالية داخل إطار الذات البشرية، وعلى أساس من وعيها لهذه القيم والموضوعات، ولا غرابة في موقف القرآن هذا، فإحساس الاِنسان بالجمال واندفاعه نحوه، شعور فطري ينبع من إحساس النفس، وتوجهها الفطري نحو الكمال، ومن بحثها عن الاحساس بالرضى والسرور.
ووعي المسلم لموضوعات الجمال وقيمها لايقف متحجّراً عند حدّ الاحساس المادي والغرض الانفعالي العابر، بل يتعدّى كل ذلك ليوقظ في النفس جذوة الاشراق الروحي، والاحساس الوجداني الذي يسحب النفس من ركودها المادي وإحساسها البهيمي المتواضع، إلى عالمها العلوي وتوجهها الاخلاقي، فيكون هذا الاحساس وسيلة من وسائل النمو الروحي والتكامل النفسي والاخلاقي، وجعل الاستمتاع بطيّبات الحياة سبيلاً إلى ربط الانسان بخالقه. فالانسان قادر على أن يعي كل تلك الحقائق حينما يعيش إحساساً يقظاً بالقيم والموضوعات الجمالية، من لباس وأناقة وحسن مظهر، وحينما ينعكس هذا الاحساس على ذاته الباطنة، فتتفاعل معه وتندمج، لتكون صورة حيّة للحس والذوق الجميل، فيرتد هذا الحس سلوكاً ومواقف إنسانية تترفّع عن الممارسات والمواقف الشريرة الشوهاء التي تمسخ روح الجمال،وتكرّس صورة القبح والنفور.
وقد وردت أحاديث ومواقف كثيرة، تتحدّث عن اهتمام الاِسلام باللباس والزينة وحسن المظهر، نذكر منها مايلي:
روي عن الرسول (صلى الله عليه وآله) قوله:
(قال لي حبيبي جبرائيل (عليه السلام): تطيّب يوماً، ويوماً لا، ويوم الجمعة لابدّ منه ولاتترك له)
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
(من اتّخذ شعراً فليحسن ولايته أو ليجزه...).
وقد روى الامام الصادق(عليه السلام)، عن الامام علي(عليه السلام):
(إنّ الله جميل يحبّ الجمال، ويحب انْ يرى أثر النعمة على عبده).
وقد روى الاِمام الصادق (عليه السلام) لاحد أصحابه:
(إظهار النعمة أحبُّ إلى الله من صيانتها، فإيّاك أنْ تتزيّن إلاّ في أحسن زي قومك).
وروى أحد أصحاب الامام الصادق (عليه السلام) قال: كنت حاضراً عنده، إذ قال له رجل:(أصلحك الله ذكرتَ أنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس الخشن، يلبس القميص بأربعة دراهم وما أشبه ذلك، ونرى عليك اللباس الجيّد؟ قال: فقال له: "إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) كان يلبس ذلك في زمان لاينكر، ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهّر به، فخير لباس كل زمان لباس أهله، غير أنّ قائمنا إذا قام لبس لباس علي (عليه السلام) وسار بسيرته").
وروى أحد أصحاب الاِمام الصادق (عليه السلام) قال:
(سألت أبا عبد الله ـ يعني الامام جعفر الصادق(ع) ـ عن الرجل يكون له وفرة أيفرقها أو يدعها؟ فقال: يفرقها).
وروي عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) انّه قال:
(الطّيبُ من أخلاق الانبياء).
وبضمّنا الايات القرآنية الواردة بهذا الشأن إلى بعضها، ودمج مفاهيم الاحاديث الانفة الذكر معها ـ بالاضافة الى عشرات الاحاديث الاخرى التي تتحدّث عن رأي الاسلام بهذا الجانب الانساني ـ نستنتج أنّ الاسلام يحثّ الانسان المسلم والمجتمع المسلم على الزينة والجمال، ليستشعر أفراده شفافية الوجود، وروح الجمال التكويني، والابداع الالهي الذي ملك عليهم قلوبهم، ويشدّها متّجهة نحو الحقيقة الجمالية الكبـرى القائمة في الصفات الالهية المقدّسة فتغمرهم السعادة،والحب الالهي،ويزداد تذكرهـم لنعم الله وشكرهم له.
ويكفي في احترام الاسلام لفكرة الجمال، أنْ جعله جزاءً ومشوّقاً للانسان في عالم الفردوس والنعيم.
فالقرآن ماتحدّث بشيء من نعيم الاخرة إلاّ وأفاض عليه إشراقة الجمال، ولا تعرّض لجزاء المحسنين إلاّ وحبَّبه بجاذبية الحسن والمتعة الجمالية، ممّا يؤكّد أنّ الجمال في نظر القرآن أرقى موضوعات الوجود في عالم الانسان إلى درجة تؤهّل الجمـال أن يكون جزاء المحسنين من النبيين والشهداء والصدّيقين في عالم الفردوس.
د ـ الراحة والنوم:
وهذا الجسد: هو تلك الالة الحركية التي تبذل جهداً وطاقة لمقاومة العالم المحيط بها حين الحركة وإنجاز الاعمال، فهي تصرف كثيراً من طاقاتها وقوتها الذاتية، فتشعر بالتعب بسبب اختلال معادلة التوازن بين قوى الجسم الذاتية، وبين القوى الطبيعية التي يتعامل معها، وشعور الجسم هذا بالتعب يأتي من جرّاء البذل المتواصل للطاقة والجهد، ومن الاستهلاك الجسدي لهذه الطاقة ممّا يُضعف المقاومة، ويضطر الجسم إلى السكون والتوقف في مكان آمن مريح، ليعيد بناء نفسه من جديد، ويدفع عن ذاته مردودات الحركة وآثارها المرهقة، فيأوى إلى النوم.
والنوم ليس اختراعاً بشرياً، ولامصادفة جسدية فرضت نفسها على الانسان، بل هو جزء من نظام الوجود المتقن الذي دبّره الصانع الحكيم:
(صُنْعَ اللهِ الذي أَتْقَنَ كُلّ شَيء إنَّهُ خبيرٌ بِما تَفْعَلُونَ). (النمل/88)
ولو لم يكن النوم جزءاً من نظام الجسم، لكان هناك نقص وقصور في نظام التكوين، والتنظيم الجسدي عند الانسان.
لذا فإنّ الله بعلمه وحكمته جعل النوم راحةً للانسان وسكناً له:
(وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ والنَّهارِ). (الروم/23)
فالنوم آية من آيات الله يتهيّأ لها الجسم بعد كل فترة زمنية، ليمارس الانسان عملية غياب مؤقت عن الاحساس بمردودات العالم الخارجي التي ترهق الجسم وتتعبه، لاعطائه فرصة الاستراحة والبناء، واستعادة القوة التي افتقدها.
وقد حثّ القرآن الكريم، والاحاديث الشريفة على الراحة والنوم والاستكانة في الليل، والقيلولة أثناء النهار، لتتّم للانسان الراحة والسعادة في الحياة ولينقذ الانسان نفسه من الجشع والشراهة في جمع المال والسعي والجهد المرهق الذي يذهب بصحته وراحته، ويعرّضه لكثير من الامراض العصبية والنفسية والجسدية، فتضيع سعادته ومتعته في الحياة.
لذلك حدّد القرآن الكريم للانسان نظام الراحة والنوم، ليأخذ حاجته ونصيبه الضروري منها، فقال تعالى:
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً والنَوْمَ سُباتاً). (الفرقان/47)
وهذا النوم، الحاجة الضرورية للجسم، حذّر الاسلام من الاسراف فيها أو اللجوء إليها إلاّ بقدر مايحتاج الانسان منها، لئلا يتجاوز الانسان حدّ الحاجة والاستراحة، فيستولي عليه الكسل والخمول، لانّ الانسان في نظر الاسلام كتلة من النشاط والانتاج، وشحنة من عطاء الخير والابداع، لايجوز تعطيلها ولا العبث بها، لذا كَرِهَ الاسلام الخمول والفراغ وضياع الوقت والطاقة الانسانية بالنوم والكسل. فقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام):
(كثرة النوم مذهبة للدين والدنيا).
وورد عن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) قوله:
(إنّ الله عزّوجلّ يبغض العبد النّوام الفارغ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق